القائد “احمد جبريل” كما عرفته عن قرب ” الإعلامي كمال خلف
موقع طلائع المجد / اقلام حرة
الاعلامي الكبير / كمال خلف
برحيل الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”القيادة العامة” احمد جبريل، يكون قد رحل عنا احد ابرز مؤسسي الثورة الفلسطينية المعاصرة، ورجل حمل في تجربته تاريخا طويلا من النضال، ومناضل عاصر كل مراحل الثورة الفلسطيينية ، كقائد عسكري وسياسي منذ التاسيس في سورية الى الكفاح المسلح في الأردن بما في تلك المرحلة من ملاحم “معركة الكرامة” وانتكاسات” كمعارك أيلول الأسود”، والانتقال الى لبنان بكل مراحل الحرب هناك حتى اجتياح بيروت 82 وما بعده بمشاركته الفاعلة في اسقاط اتفاق 17 أيار، وصولا الى ابتكاره وسائل جديدة للمقاومة انطلاقا من جنوب لبنان عبر الطائرات الشراعية وحفر الانفاق والعمليات الى داخل حدود فلسطين المحتلة، وظل أبو جهاد يردد الى يوم وفاته انه كان شريك للمقاومة في لبنان في تسعينات القرن الماضي وصولا لتحرير الجنوب عام 2000، اغتيل نجله الأكبر جهاد عام 2002 في بيروت بسبب دوره في نقل السلاح والعتاد الى قطاع غزة.
عرفت الراحل جبريل عن قرب منذ اكثر من عشرين عاما، أجريت معه العديد من الحوارات الصحفية خلالها، وجمعتنا لقاءات ضيقة خاصة مع شخصية لها صداقة مشتركة بيننا بشكل متكرر.
ومنذ ثلاثة أعوام تقريبا سنحت لي فرصة اللقاء مطولا معه في منزله في دمشق اثناء الاعداد لسلسلة حلقات لوثائقي عن تجربة حياته ونضاله، الذي عرضته “قناة الميادين” العام الماضي.
ساعات طويلة لاكثر من شهر ونصف وبشكل شبه يومي قضيتها في منزله، كنت اتي اليه يوميا في الصباح الباكر، كان يفضل ان نتحدث قبل ان ننتقل امام الكاميرات، يتحدث بشكل مستمر لساعات قبل التسجيل وكنت أحاول دوما ان أقول له ان علينا ان نبدا كسبا للوقت لكنه في كل مرة لا يستجيب، لذلك كان علينا البقاء حتى المساء، كان رحمة الله عنيدا وصلبا في قرارته، يخفي مشاعره وعاطفته حتى تجاه أبنائه.
ومن المفارقة انني كنت اشعر بالاجهاد بعد ساعات من النقاش والحوار، الا انه رغم تقدمه في السن كان يبقى بكامل نشاطه وحيويته وقدرته على الجلوس دون حركة والتحدث بذهن متقد لوقت طويل.
رغم عامل السن والمرض كانت لديه قدرة عالية على استحضار التاريخ بادق تفاصيله وبالاسماء والتواريخ بشكل مذهل، واهمية ما كان يقوله تكمن في كونه لاعب أساسي في الاحداث والقرارات وليس شاهدا او مراقبا من بعيد .
كان يروي الاحداث كما هي دون مرعاة لاي اعتبارات سياسية او شخصية، قالي لي “لم يكن بيني وبين ياسر عرفات شهر عسل واحد في السياسية، لكني على المستوى الشخصي كنت احبه، وفي اخر أيامه تواصل معي وتبادلنا الرسائل”.
اسرار كثيرة سمعتها من الراحل عن شخصيات فلسطينية وعربية واحداث وتفاصيل لم تنشر، ربما لا مجال لذكرها بعد رحيله.
جبريل كان شخصية عسكرية صرفة حتى في حياته الشخصية، ربما هو الوحيد بين كافة قادة الفصائل الفلسطينية من خلفية عسكرية اكاديمية منذ البداية، خضع لدورة ضباط في مصر منتصف الخمسينات كضابط في الجيش السوري. وطلب الالتحاق بالثورة الجزائرية، الا انه عاد الى سورية لتاسيس العمل الفلسطيني المسلح.
لم يتقن جبريل الاعيب السياسة ولم تستهويه اللغة الدبلوماسية اوالاستثمار في الاعلام، لايعرف المجاملة في القضايا الوطنية والقومية، وهذا كان سبب اثارته الدائمة للجدل على الساحة الفلسطينية.
تعرض لحملة تشويه هائلة في الساحة الفلسطينية إعلاميا في مراحل مختلفة بسبب خلافه مع ياسر عرفات.
ابقى جبريل الطابع العسكري للتنظيم في وقت انعدمت فيه إمكانية العمل العسكري من الخارج، واصر على عدم تغيير الخطاب او ابداء أي مرونة فيما اعتبره مبادئ أساسية، واولها ان فلسطين من البحر الى النهر بالكفاح المسلح ، في وقت كانت فيه المنطقة تجنح بكاملها نحو التسوية متمثلة بالمبادرة العربية للسلام عربيا، ولاحقا الاعتراف بحل الدولتين مع رافقها من تعديل عام للخطاب السياسي الفلسطيني نحو المطالبة بحدود 67. ربما هذا الجانب أدى في مرحلة ما الى ظلم التنظيم الذي يقوده على الساحة الفلسطينية.
بقي جبريل حتى اليوم الأخير لا يعترف بتجزئة الازمات العربية او الحدود الخاصة لكل دولة، ويصر على انه ليس ابنا لاتفاقية “سايكس بيكو”، وان الامة مصيرها واحد وما يجري في أي دولة يستهدف الامة العربية برمتها، لم يغير أيا من مبادئه او معتقداته منذ اليوم الأول لانطلاق الكفاح المسلح حتى اخر يوم في حياته.
لم يقبل ان يغادر سورية في بداية الحرب قبل عشرة أعوام رغم ان السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عرض عليه اصطحابه الى قطر لان النظام في سورية سيسقط وسيكون في خطر كما روى لي، كان يراها مؤامرة على الدور القومي السوري وعلى القضية الفلسطينية تستوجب القتال لافشالها، وبالفعل قاتل بحدود إمكاناته العسكرية المتواضعة ، كان لديه عتب كبير على حلفائه لتجاهلهم التنظيم واهمال دوره، التقيت به بعد وقت قصير من سقوط مخيم اليرموك بيد الجماعات المسلحة، كان يشعر بمرارة كبيرة وخذلان، التقيت به كذلك بعد تحرير المخيم في عيد الفطر وكان يقف في مقبرة الشهداء في اخر المخيم فوق الركام معاهدا إعادة بناء البيوت، رحم الله أبو جهاد وكل شهداء امتنا العربية، والامل لدينا هو في الجيل الصاعد في غزة والقدس وفلسطين التاريخية والشتات، هذا الجيل الذي يتقدم اليوم ويحمل الراية واعدا بالنصر القريب رغم كل الانهيارات حوله.
كاتب واعلامي عربي
التعليقات مغلقة.