ماذا تريد السعودية في الساحل الافريقي !!
موقع طلائع المجد | متابعات | 22
يطرح الاهتمامُ السعودي الحالي بمنطقة الساحل الأفريقية عدةَ تساؤلات عن دوافع هذا الاهتمام السعودي بالمنطقة التي لم تكن تقليديا تدخل في دائرة اهتمام الرياض.
وكشف موقع إنتلجنس أونلاين الفرنسية، المتخصص في الشؤون العسكرية وجود مفاوضات بين السعودية وفرنسا لتمويل صفقات أسلحة فرنسية لصالح دول الساحل والصحراء الإفريقية وهي موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد وجيبوتي.
وكانت السعودية قد تعهدت بمحفظة استراتيجية بقيمة 150 مليون دولار إلى دول الساحل.
الحديث عن هذه المفاوضات يأتي بعد أشهر قليلة من تقديم السعودية 100 مليون يورو كمساهمة منها في تمويل القوة الإقليمية لدول الساحل التي تشرف عليها فرنسا، ما مهد الطريق أمام هذه القوة العسكرية بعد أن شكل التمويل عائقًا كبيرًا أمام تشكيلها وبدء عملها.
ووفقا لـإنتلجنس أونلاين تعد وكالة العقود الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع السعودية، والتي يتم الإشراف على تحركاتها عن كثب من قبل ولي العهد «محمد بن سلمان»، هي المسؤول الأول عن إبرام الصفقة وهي على اتصال دائم مع وكالة المشتريات العسكرية الفرنسية والدول المعنية من أجل المضي قدما في توريد الأسلحة.
وتسعى الرياض إلى التوصل إلى صفقة مماثلة مع جيبوتي ولكن من المرجح أن تكون بقيمة أكبر ربما تصل إلى 250 مليون دولار.
وتبحث الرياض عن التقارب مع جيبوتي حتى تتمكن من التحكم بشكل أفضل في مضيق باب المندب، حيث يمكن للتبرع أن يوفر فرصة لسفن البحرية السعودية استخدام قواعد جيبوتي البحرية.
وصفقة السلاح الفرنسي التي من المنتظر أن تمولها السعودية لفائدة دول إفريقية، اعتبره بعض المحللين سعي سعودي لإرضاء فرنسا من خلال شراء سلاحها وإعطائه لحلفاء باريس في إفريقيا الهدف منه محاولة الظهور في ثوب المحارب للإرهاب، في الوقت الذي أكدت فيه العديد من التقارير الدولية تورط السعودية في أنشطة مشبوهة لتمويل الإرهاب في العديد من المناطق في العالم.
وتعتبر فرنسا ثالث أكبر مصدر للسلاح في العالم، فيما تعد السعودية ضمن أكبر المشترين ولدى شركاتها الدفاعية مثل “Dassault”و”Thales”عقود ضخمة مع المملكة، وفي السنوات القليلة الماضية اشترت الرياض دبابات وعربات مدرعة وذخيرة ومدفعية وسفنًا حربية من فرنسا.
تصدير الفكر السلفي
ويرتبط اسم السعودية في فضاء دول الساحل بنشر وتصدير الفكر “السلفي” إلى المنطقة؛ فقد كانت السعودية الحاضنة الرئيسية للمدرسة السلفية -بنسختها السعودية- في أفريقيا خطابا وتأطيرا وتمويلا.
وتعددت مظاهر الحضور السعودي في دول منطقة الساحل فشملت الجوانب الدعوية والتعليمية والخيرية والاجتماعية والاقتصادية، وعزز ضعفُ اقتصاديات دول المنطقة التدخلَ السعودي لملء الفراغ الناجم عن إلغاء تدخل الدولة الاقتصادي والاجتماعي، مما شجع حضور العديد من المنظمات والهيئات الخيرية الخليجية -وخاصة السعودية- في المنطقة.
وفي هذا الإطار؛ يُحسب للرياض تمويل الكثير من المشاريع التنموية وتشييد العديد من البني التحتية بدول المنطقة، ومنها منشآت إسلامية كبيرة كمسجد الملك فيصل بمدينة نجامينا الذي بلغ تمويله حوالي 16 مليون دولار أميركي، ومسجد الملك فيصل في باماكو الذي بلغت تكلفته نحو سبعة ملايين دولار.
تبيض صورتها الخارجية
كما تهدف حسابات الرياض لتحقيق كسب في أكثر من ورقة، بعد خسارة الرياض للعديد من الرهانات واستخلاصها عِبَرَ بعض الحسابات الخاطئة لديها في أزمة حصار قطر.
ولعل من أبرز الدوافع السعودية -التي تقف خلف تمويلها القوة الأفريقية المشتركة لدول الساحل- البحث عن موطئ قدم في منطقة صراع تقع على تماس مع دول الفضاء المغاربي، التي تراجَع فيها الدور السعودي بعد رفض أغلبها الاصطفاف خلف الرياض في قضية حصار قطر.
فمواقف الدول الرئيسية في المغرب العربي (المغرب والجزائر وتونس) من الأزمة الخليجية، والمتمثلة في التزامها بالموفق الحيادي من الأزمة الخليجية رغم ضغوط السعودية على هذه البلدان جعلت الرياض تبحث عن بدائل يمكن الرهان عليها في مساعي البحث عن الاصطفاف مع مواقفها المترنحة.
ورغم أن مواقف الجزائر وتونس والمغرب كانت صادمة للسعودية فإن الموقف المغربي تحديدا قد يكون أكثر صدمة لها، فالرباط تعتبر أهم حليف إستراتيجي للرياض في منطقة المغرب العربي، وكانتا تنسقان معا جُلّ السياسات الخارجية المتعلقة بالقضايا الأفريقية.
وقد تكون مواقف نظامي موريتانيا وتشاد (أهم قوتين عسكريتين في مجموعة الساحل) اللذين تماهيا سريعا مع الموقف السعودي بإعلانهما قطع العلاقات مع الدوحة أغرت الرياض بالتفكير في البحث عن حلفاء جدد بمنطقة الساحل، يعوّضون حلفاءها التقليديين في الفضاء المغاربي اللصيق جغرافياً بمنطقة الساحل؛ فالسعودية اليوم باتت تنهج سياسية خارجية قوامها التحكم المطلق في الحلفاء.
الورقة التالية التي تقف خلف الاهتمام السعودي بمنطقة الساحل قد تكون السعي لكسب ودّ الأوروبيين، إذ لم تكن الحكومات الأوروبية معجبة بمواقف دول الحصار، كما أنها لم تُبدِ قناعة بالحجج التي قدمتها هذه الدول، ولذا سرعان ما فشل رهان الرياض وأبو ظبي على المواقف الأوروبية لاستمالتها في الأزمة.
فالسعودية تدرك محورية منطقة الساحل بالنسبة للأوروبيين، وتعي جيدا أنها تشكّل هاجسا كبيرا لهم باعتبار أن أزمات هذه المنطقة (الهجرة والجريمة العابرة للحدود والإرهاب) يصل مداها مباشرة إلى الديار الأوروبية.
ولذا تسعى الرياض للظهور بمظهر الحليف المهتم بتحديات ومشاكل حلفائه الأوروبيين، وذلك في ظل تعسّر حصول القوة الأفريقية بالساحل على التمويل اللازم لبدء عملياتها. ولذلك أكدت الرياض دعمها المالي لهذه القوة بمئة مليون يورو، وتعهدت الإمارات بدعمها بـ30 مليون يورو.
وتطلب الرياض ود باريس لتبيض صورتها في المحافل الدولية وأمام المنظمات الدولية التي تتهمها بدعم الإرهاب وممارسته في العديد من الدول، ذلك أن سياستها الجديدة بقيادة بن سلمان ترتكز على شراء ود الدول الكبرى مهما كان الثمن حتى تساعدها على القيام بأجنداتها المشبوهة في مناطق عدة من العالم، وفقًا لعدد من الخبراء.
وتضررت صورة السعودية داخليًا وخارجيًا في السنوات الأخيرة، نتيجة انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها في حق مواطنيها أو مواطني دول أجنبية أخرى، فضلًا عن مشاركتها وقيادتها للعديد من الحروب في المنطقة على غرار ما يحصل في اليمن وتسببها في كوارث إنسانية حذرت من تداعياتها السلبية العديد من المنظمات الدولية الناشطة في المجال الإنساني.
ويستغل زعماء السعودية أموال النفط (تمتلك السعودية نحو 20% من احتياطيات النفط في العالم) للتأثير في العلاقات الدولية، وشراء ود العديد من الدول والمنظمات الدولية التي تمتلك تأثير ومكانة كبيرة على الساحة الدولية.
وتطمح السعودية لاستغلال القارة الإفريقية كعمق إستراتيجي لها، نظرًا للموقع الجغرافي المهم الذي يؤثر على حركة السياسة الدولية والإقليمية وممرات الملاحة الدولية، ومنذ العدوان على اليمن وما تزامن معه من انطلاق التحالف العربي بقيادة السعودية، أصبحت إستراتيجية المملكة تتجه إلى بناء علاقات متينة وقوية مع المحيط الإفريقي.
وكدليل على ازدياد اهتمامها بإفريقيا، عين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز نهاية شهر فبراير/شباط الماضي المندوب الدائم للمملكة لدى جامعة الدول العربية وسفيرها في مصر أحمد قطان وزيرًا للشؤون الإفريقية، إلا أن خطواتها للتقرب إلى إفريقيا ستصدم بالعديد من العوائق.
حرب بالوكالة
إلى جانب ذلك، يأتي هذا الدعم السعودي الإماراتي، في الوقت الذي تسعى فيه باريس إلى بسط نفوذها في هذه المنطقة، ومزيد إحكام السيطرة عليها لحماية مصالحها في هذه المنطقة الغنية بالنفط والثروات المعدنية، ومحاولة تعزيز الوجود الفرنسي في منطقة تعتبر تقليديًا مركز نفوذ خاص بفعل سابقة الوجود الاستعماري.
ويسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تصحيح الأخطاء التي وقع فيها سلفه فرنسوا هولاند الذي قاد عمليتين عسكريتين في شمال مالي، كُللت بإبعاد المسلحين من مناطق متعددة في الشمال، لكن كلفت الجيش الفرنسي الكثير من الخسائر خاصة في الأرواح، ويعول الإليزيه على ديناميكية ماكرون لتأمين مصالح باريس في القارة السمراء وحماية نفوذها التاريخي من المنافسة، دون أن يكبّده ذلك خسائر مالية وعسكرية، ويبدو الأن بشكل واضح أن فرنسا ستخوض الفصل الجديد من حربها في منطقة الساحل الأفريقي بأموال سعودية وإماراتية.
خطأ إستراتيجي
لكن الرياض ترتكب من الناحية الجيوستراتجية خطأ كبيرا بتمويلها القوة الأفريقية للساحل فمجموعة الخمس هذه تنظر إليها حكومات ونخب أفريقية بعين الريبة، باعتبارها إطارا صنعته فرنسا لتعظيم نفوذها بالساحل، ولتقويض أو تحييد جهود المنظمات والدول التي تتحفظ على الوجود الفرنسي، كبعض أعضاء منظمة التنمية الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإكواس) والجزائر.
فهناك هاجس كبير لدى الأفارقة من وجود نزعة فرنسية هدفها إضعاف المنظمات الإقليمية الأفريقية بفصل الساحل جيوسياسياً وبشكل تدريجي عن حاضنة “الإكواس”، وذلك لتقويض دينامية هذه المنظمة، وترسيخ عدم الثقة فيها كمنظومة قادرة على تحقيق الأمن لدولها وفي فضائها الجغرافي.
وبمنطق الربح والخسارة فإن السعودية ستخسر بهذه المقاربة الجديدة نقاطا صلبة كانت تعتمد عليها في أفريقيا، عبر أجندتها الجديدة التي تقوم على إنهاء علاقتها بالجماعات الإسلامية المرتبطة بها على الساحة الأفريقية، ووقف مشاريع العمل الخيري التي جعلت سابقا الكثير من الأفارقة المسلمين ينظرون إلى الرياض كراعية لمصالحهم في أفريقيا.
تفاصيل تآمر دول الحصار لإسقاط الريال القطري
كشف الخبير المالي القطري، «خالد بن راشد الخاطر»، تفاصيل بشأن مخطط دول الحصار، وخاصة الإمارات، لإسقاط الريال القطري، وكيف تمكنت قطر من إفشال هذا المخطط.
وفي حوار مع صحيفة «العربي الجديد»، قال «الخاطر» إن الإمارات استغلت تأثير الصدمة وعامل التوتر السياسي الذي صاحب أزمة الحصار، واختارت توقيت بداية إجازة نهاية العام الدراسي وفترة الأعياد لقطع إمداد شركات الصرافة القطرية بالدولار لإحداث أكبر أثر سلبي ممكن.
ولفت «الخاطر» إلى إن عملية استهداف الريال القطري بدأت مبكراً مع بداية الأزمة، واشتدت خلال أسبوعيها الأول والثاني في سوق الصرف الآنية المحلية، قبل أن تتحول إلى الأسواق الخارجية أواخر يونيو/حزيران 2017
وأشار الخبير القطري إلى أن عملية استهداف الريال صحبها حملة إعلامية مسعورة من دول الحصار لإثارة القلق والتشكيك حول العملية المحلية.
ولفت إلى أن هذه الحملة قد باءت بالفشل نظراً لانعدام المصداقية في إعلام دول الحصار؛ بسبب أسلوبه الفج والاستخفاف بالعقول منذ اندلاع الأزمة.
وعن الدول والشركات التي عملت على استهداف الريال القطري، قال «الخاطر»: «كانت هناك محاولات في أواخر يونيو/حزيران 2017 لمنع تداول الريال القطري في بعض الأسواق الخارجية، وبريطانيا على وجه الخصوص، يقودها الملياردير الهندي شتي (Bavaguthu Shetty)».
وأوضح أن «شتي» مرتبط بـ«علاقات وثيقة بحكومة أبوظبي، ويمتلك جزئيا شركة صرافة الإمارات، إضافة إلى شركة صرافة ترافل إكس (Travelex) المعروفة التي تقدم خدمات صيرفة (بيع وشراء للعملات الأجنبية) في بريطانيا وغيرها من الدول».
وتابع أن هذه الحملة، أيضا، باءت بالفشل نظراً لمحدودية عرض الريال القطري في الأسواق الخارجية.
وأضاف «الخاطر» أن «الريال تعرض بعد ذلك لحملات للتلاعب به في أسواق بعض دول الحصار، والإمارات على وجه الخصوص، إضافة إلى محاولات للتلاعب بالسندات السيادية لدولة قطر لإظهار أنه يتم تداولهما بأسعار منخفضة بشكل مصطنع للإيحاء بأن الاقتصاد في أزمة، أو أن قطر تتعرض لأزمة سياسية حادة».
وأشار الخبير القطري إلى أن «التآمر للتلاعب بالسندات السيادية القطرية مخطط قاده الملياردير البريطاني ديفيد رولاند (David Rowland) مالك بنك هافي لاند (Havilland) في لكسمبورغ لصالح حكومة أبوظبي».
أثار الحصار الاقتصادية
وعن أثار الحصار الاقتصادية السلبية على قطر، قال «الخاطر» إنه يمكن حصرها في محورين؛ «الأول التأثيرات المباشرة، والاحتمال الآخر والأكبر هو استنزاف الاحتياطات السيادية لقطر في الدفاع عن العملة وتعزيز استقرار نظام سعر الصرف والنظام المالي، وإنهاك القدرة المالية للدولة مع مرور الوقت».
ولفت «الخاطر» إلى أن قطر واجهت هذه المؤامرات التي اشتركت فيها العديد من الدول باتخاذها إجراءات احترازية لحماية العملة، إضافة إلى استخدام الاحتياطيات.
وأشار في هذا الصدد إلى أن الحكومة القطرية ضخت سيولة وودائع في الجهاز المصرفي تقدر بـ23 مليار دولار في أول شهرين من الأزمة للتعويض عن خروج رؤوس أموال معظمها ودائع لدول الحصار، ولتعزيز استقرار العملة والاستقرار المصرفي والمالي، وضخت 38.5 مليار دولار في الاقتصاد ككل لتعزيز الاستقرار الاقتصادي.
وتحدث أيضا عن عاملين أساسيين كان لهما أكبر الأثر في فشل الحرب الاقتصادية على قطر وعملتها، والحملات الإعلامية المصاحبة لها؛ الأول «أنه تصعب المضاربة على الريال القطري لأنه غير متداول خارجياً، فهو عملة غير عالمية وعرضه محدود في الأسواق الخارجية، والعامل الآخر هو فشل الحملات الإعلامية لدول الحصار كذراع للحرب الاقتصادية على قطر».
المصدر | الخليج الجديد + العربي الجديد
التعليقات مغلقة.