أين تكمن قيمة ما قدّمه الرئيس الشهيد صالح الصماد لليمن؟
موقع طلائع المجد | أقلامٌ حُرّة | 6
| شارل ابي نادر *
يلعب قادة ورؤساء الدول والشعوب عادة الدور الأساس في إدارة البلاد، في الحرب كما في السلم، وحيث يَعتبر أعداء تلك الدول أنه في تغيّيب القادة الفاعلين من خصومهم، ضرورة وحاجة لتسهيل معركتهم، يُصبح استهداف هؤلاء القادة هدفاً رئيساً يُعمل عليه ليل نهار، و في حال كان هؤلاء الأعداء فاقدين لاي رادع انساني او قانوني أو أخلاقي، او لجميعها كما التحالف السعودي، يصبح الاغتيال مُحللا لهم بشتى الأساليب والطرق، و بمعزل عما يمكن أن تسببه جريمتهم من خسائر في أرواح المدنيين الأبرياء، يبقى بالنسبة لهؤلاء المجرمين، القانون الدولي و قانونُ الحرب والنزاعات المسلحة، حبراً على ورق، وبنوده لا تُنَفّذ، تُدرج فقط لتتزين بها شرعة الأمم المتحدة.
من هنا وفي هذا الإطار، جاءت جريمة اغتيال الشهيد صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الاعلى في اليمن، أولاً لتؤكد أهمية الدور الذي كان يلعبه الشهيد في إدارة معركة الدفاع عن اليمن، وثانياً لتعطي فكرة واضحة عن الإفلاس العسكري والأخلاقي الذي أصاب القتلة مجرمي التحالف الأميركي السعودي، على خلفية فشلهم في هذه الحرب .
لقد كان لافتاً الدور الذي لعبه الرئيس الشهيد، من خلال إدارة قدرات وجهود أبناء اليمن الشرفاء في معركة الدفاع عن اليمن في أصعب الظروف، وبمواجهة تحالف اخطبوطي، يملك – بالمبدأ – إمكانيات ضخمة في المال والسلاح والإعلام، بالإضافة لامتلاكه سطوة غريبة على العديد من الدول و على منظمة الامم المتحدة، و قد فرض الرئيس الشهيد نفسه في هذا الدور المميز من خلال قدراته التالية :
شخصيته وأخلاقه
– قد تكون الشهادة الأكثر تعبيرا عن مميزات الشهيد الرئيس صالح الصماد، هي التي جاءت في الخطاب الأخير للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، فانطلاقا من إيمانه والتزامه الديني الصادق، تحمل الشهيد المسؤولية في أصعب الظروف وأخطرها، و حيث كان فاهِما ومُدرِكاً لِحاجة الأعداء لتغييبه، ولحتمية ذهابهم حتى النهاية في ملاحقته، لم يتهرب من تحمّل المسؤولية، و واضعا شرف التضحية بحياته نصب عينيه، لم يتأخر يوما في التواجد حيث يجب أن يكون، قائدا لمعركة الدفاع و الصمود حتى النصر .
– مقارنة مع حكام ورؤساء سبقوه في منصبه، من الذين استغلوا الموقع لتكديس الأرصدة المالية وامتلاك العقارات والاستثمارات، عاش الشهيد زاهدا فقيرا شريفا، وحيث كان دائما قريبا من هموم الناس ومعاناتهم، اُستشهد في أحد أحيائهم الفقيرة المعدومة المدمرة .
قدرته في إدارة المعركة في الميدان
– كانت دائما جولاته الميدانية في المواقع والجبهات الأكثر خطراً، والتي كانت في الحقيقة تشكل المواقع الأكثر تأثيرا في مسار معركة الدفاع عن اليمن، و حسّه الأمني والعسكري كان يدفعه دائما للتواجد في المكان الحساس وفي التوقيت المناسب، وحيث امتلك مع السيد عبد الملك الحوثي نظرة استراتيجية ثاقبة، كان لمشروع تطوير القدرة الصاروخية اليمنية والذي كان أحد رواده ، دور فعّال في فرض معادلة استراتيجية وفي تثبيت ونجاح معركة الدفاع عن اليمن .
– من خلال إيمانه بقدرة الشعب اليمني على الصمود والمواجهة رغم الظروف والإمكانيات المتواضعة، كان من المتابعين الدائمين للوحدات العسكرية، تدريبا وتجهيزا وتخطيطا، وبحضوره الدائم لأغلب المناورات العسكرية من جهة، و لأحتفالات تخريج قوات الأمن المركزي أو عناصر القوات المسلحة، استطاع البقاء على مسافة قريبة من تلك الوحدات، مكَّنَته من قيادة وإدارة جبهات المواجهة و معارك الصمود في كافة ميادين القتال، داخل اليمن أو على جبهة ما وراء الحدود في المحافظات السعودية، نجران وعسير وجازان، حيث فرضت تلك الوحدات معادلة ميدانية استراتيجية لا يمكن تجاوزها .
إمكانياته السياسية والديبلوماسية في إدارة التفاوض والمعركة الخارجية
من خلال خبرته السياسية والديبلوماسية، أدار مفاوضات الضغط والابتزاز التي كان يمارسها التحالف السعودي الأميركي، ومن ورائه المجتمع الدولي، على أبناء اليمن، وحيث كانت تلك المواجهة الديبلوماسية مع مبعوثي الأمم المتحدة أو مع مبعوثي الدول الإقليمية والغربية، تتزامن دائما مع المواجهة الميدانية على الجبهات، من دون أن تختلف كثيرا عنها في شراستها وفي حساسيتها، استطاع بقدراته و بثباته، الصمود في وجه ضخامة الإغراءات وأشكال الابتزاز والضغط والتهديد والوعيد .
من خلال وعيه وحكمته أيضا، ساهم مع السيد عبد الملك الحوثي، في تخطي الجبهة الداخلية للقطوع الأخطر، في ملف الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وحيث كان مُخططا عبر هذا الملف توجيه ضربة قاضية لمعركة الدفاع عن اليمن، عبر نشر الفتنة والانقسام الداخلي، خرج الداخل اليمني أكثر مناعة وقوة وتماسكا .
وأخيرا ، بقدر ما كانت خسارة اليمن – دولة وشعبا وجيشا ولجانا شعبية – غير بسيطة ومؤلمة عبر استشهاد الرئيس الصماد ، بقدر ما ظهر اليمنيون متماسكين أشداء في المواجهة الكونية ضدهم، وحيث برهنت هذه المدرسة اليمنية اللافتة التي وُلِد منها الرئيس الشهيد، و التي صقلتها معمودية الحرب والصمود والميدان، إنها قادرة على خلق العديد من القادة الأكفا ، يبدو أن رئيس المجلس السياسي الأعلى الجديد، الرئيس مهدي المشاط، سيكون البديل المناسب الذي سيقدِّم، أولاً لروح الشهيد التقدير الذي يستحقه، عندما يبرهن أن لا شيء تغير في قيادة معركة بناء اليمن ، و الذي سيقدم ثانيا للمجرمين أعداء اليمن، الصفعة التي يستحقونها، عندما يكتشفون أن الرئيس الشهيد صالح الصماد ما زال بطيفه وبروحه، يقاتلهم كما يجب أن يُقاتَلوا .
* عميد متقاعد ومحلل عسكري لبناني
التعليقات مغلقة.